بات من المعلوم أن المخابرات المغربية تستخدم برنامج “بيغاسوس” الإسرائيلي للتجسس على الصحافيين والحقوقيين والسياسيين والمعارضين. وما حدث مؤخراً مع الصحافية المغربية هاجر الريسوني خير دليل على ذلك، بحيث يبدو أنها غرّدت خارج السرب فأصبحت حياتها الشخصية مستهدفة.

دولة المغرب – كسائر عدد آخر من الدول العربية – اشترت برنامج التجسّس الشهير Pegasus من شركة NSO الإسرائيليّة وقامت بالتجسس على أكثر من 10 آلاف رقم مغربي، بحسب تسريبات حصلت عليها مؤسسة Forbidden Stories. بمعنى آخر، قامت الدولة باختراق هواتف الأشخاص المستهدفين في سبيل الحصول على معلومات، والصحافية هاجر الريسوني واحدة من هؤلاء الضحايا.

عرضت الريسوني قصتها الكاملة في موقع “Daraj”، موضحة كيف تعرضت للملاحقة والحبس في المغرب، قبل أن تخرج بعفو ملكي.

بحسب القصة، كانت هاجر على علم بأن هاتفها كان مراقباً وبأن الشرطة السياسية في المغرب كانت تراقب كل تحركاتها، حتى بعد مغادرتها البلاد. وما لبث أن تأكدت من الموضوع عندما اتصلت بها مؤسسة “فوربيدن ستوريز” لتخبرها بأن رقم هاتفها وهاتف زوجها، الرجل الحقوقي السوداني رفعت الأمين، وردا في لائحة الأرقام المسربة من تطبيق التجسس الاسرائيلي “بيغاسوس”، وبأنهما تعرضا للقرصنة والتجسس.

الامارات تستخدم أداة اختراق إسرائيلية للتجسس على المسؤولين والناشطين

المخابرات المغربية تتنصت على الريسوني

عادت الريسوني إلى حادثة اعتقالها وزوجها عام 2019، حيث جرى التحقيق معهما من قبل أشخاص لا تعلم الجهة التي يمثلونها حتى الساعة، بحسب ما أشارت. وكتبت: “كانوا يخبرونني أشياء عني لا يمكن أن يعرفها أي أحد إلا إذا كان يشاركني يومياتي لحظة بلحظة. القصة نفسها حصلت مع زوجي الذي سألوه عن علاقاته بأشخاص وعن أحداث معينة لا يمكن أن يعرف بها إلا من يراقب كل تحركاتك ومكالماتك”. وأضافت: “التحقيق الذي دام ساعات كان حول كل شيء إلا عن التهمة التي لفقوها لنا”.

ولكن أعمال المراقبة والتجسس لم تتوقف بعد خروجهما من السجن، بل زاد الأمر سوءاً. حيث بدأت المضايقات في الشارع، وتمت مراقبة المنزل، والتنصت على أحاديث الهاتف والأحاديث الخاصة في المنزل، حتى أنه “في بعض الأحيان، كنا نجد أحاديثنا منشورة في صحافة التشهير القريبة من السلطة، ما دفع أصدقاءنا إلى التوقف عن زيارتنا بسبب انزعاجهم وخوفهم على خصوصياتهم وحريتهم. كما أن العديد من الأشخاص أوقفوا التواصل معنا لأننا من المغضوب عليهم وقد نسبب لهم مشاكل هم في غنى عنها”، بحسب ما كتبت.

وسرعان ما زاد الوضع سوءاً مع اعتقال عم الصحافية، المدعو سليمان الريسوني، وهو رئيس تحرير جريدة “أخبار اليوم” التي كانت تعمل فيها. وهنا باتت تنشر تفاصيل حياتهما في “صحافة التشهير مع التضخيم والتلفيق والكذب، حتى يصوروا للرأي العام على أننا عائلة فاسدة أخلاقياً وتفعل عكس ما تدّعي”.

أمام كل هذه المضايقات ومشاعر الخوف والرعب، لم يبقى أمام هاجر وزوجها إلا خيار مغادرة البلاد. ولكن الأمر لم يكن سهلاً، فلقد رفضت السلطات منحها إذناً استثنائياً للخروج من المغرب، وأرسلت لها رسالة مكتوب فيها: “يمشي هو وتبقى هي”. وكتبت: “لولا تدخل أحد المسؤولين مشكوراً في اللحظة الأخيرة، لكنت ما أزال محبوسة اليوم في وطني. فقد أصبح المغرب بالنسبة لي سجناً كبيراً، الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود”.

الحكومات العربية تتجسس على المواطنين والمعارضين.. بمساعدة إسرائيلية!

للقصة تكملة

رغم مغادرة المغرب، لم تتوقف حملات التشهير. فسرعان ما كانت تنطلق مجدداً مع كل تدوينة كانت تكتبها هاجر عن الانتهاكات الحقوقية في المملكة المغربية. وكتبت: “بعد ما عشته من مآسٍ وصدمات، اكتسبت مناعة ضد كل الأكاذيب والتشهير والتلفيق، أصبحت أملك القدرة على المواجهة والوقوف ضد كل حملات التشويه التي تخوضها هذه البنية بالاستعانة بإعلامها والذباب الإلكتروني الذي تدفع له من جيوب المغاربة لمحاربة المغاربة”.

وختمت: “على رغم محاولة الحكومة المغربية نفي استعمال المخابرات برمجيات بيغاسوس للتجسس على الصحافيين والحقوقيين والسياسيين، إلا أن الكل يعلم أن كل من غرد خارج السرب تصبح حياته الشخصية مستهدفة، يبحثون له عن عثرة للإيقاع به وإن لم يجدوها يختلقونها، ثم يطلقون إعلامهم ليتوعد ويجهز الرأي العام للاعتقال والتنكيل بالهدف”.

تجدر الإشارة إلى أن قصة الصحافية هاجر الريسوني تشبه إلى حد كبير ما حدث أيضاً مع الصحافيين سليمان الريسوني وعمر الراضي، والمؤرخ معطي منجب. فبعد حملة تشهير واسعة والتنبؤ باعتقالهم، قامت السلطات بتنفيذ الاعتقال في التواريخ ذاتها التي سطرتها الماكينات الإعلامية الرسمية.