يعتقد البعض أن عالم الأمن السيبراني يدور فقط حول القراصنة والمجرمون الالكترونيون الذي يقومون بعمليات احتيال متعددة بهدف سرقة البيانات الشخصية لاستخدامها لاحقاً في هجمات أخرى. ولكن هؤلاء ليسوا الوحيدين الذين يقومون بجمع بياناتكم، الدولة تراقب طبعاً والمسوقون مثل “فيسبوك” و”غوغل” يديرون أيضاً برامج ضخمة متخصصة بالمراقبة وجمع البيانات، بهدف تحسين إعلاناتهم المستهدفة.

ومن البديهي أن تشارك الحكومات والدول في بعض عمليات مراقبة الويب. يتذرعون أمام العلن بمحاولة مكافحة النشاط الإجرامي مثل الإرهاب، فيما يحاولون بشكل سري الذهاب إلى أبعد من ذلك بكثير. وما لا يدركه معظم الناس هو مدى خطورة هذه المراقبة.

 

الدولة تراقب كل شيء!

قد لا تصدقون أن كل تفاعل يقوم به كل مستخدم عبر الإنترنت، يتم مراقبته وتسجيله وتخزينه في قاعدة بيانات ضخمة تتحكم فيها الدولة. ويمكن الاستعلام عن هذه المعلومات وتحليلها، والكشف عن معظم معلوماتكم الشخصية للهيئات الحكومية المصرح لها في أي وقت ومن دون علمكم.

تخيلوا أنكم تعيشون في نظام تتبع وتنميط لا يمكنكم إلغاء الاشتراك فيه، ولا تعرفون بالضبط ما يتم استخدام هذه المعلومات المسجلة من أجله. قد تعتقدون للوهلة الأولى أننا نتكلم عن برامج المراقبة الجماعية الموجودة في الدول الشمولية مثل كوريا الشمالية أو الصين أو ايران، ولكن في الحقيقة أنظمة المراقبة شغالة وفعالة في كل الدول حول العالم، حتى في بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية.

 

مثال النموذج البريطاني

عام 2016، أقر البرلمان البريطاني قانوناً جديداً يدعى “قانون سلطات التحقيق” the Investigatory Powers Act 2016 والذي يقدم صلاحيات إضافية للجهات والهيئات الرسمية في مراقبة السكان.

يسمح القانون بجمع “البيانات الوصفية” عن نشاطات المستخدمين على الإنترنت. البيانات الوصفية هي معلومات دقيقة عما كنتم تفعلونه. على سبيل المثال، يمكن أن يرى ويعلم المحققون في الدولة أنكم أرسلتم بريداً إلكترونياً إلى أفضل صديق لكم، ولكنهم لا يستطيعون رؤية محتويات هذا البريد الإلكتروني.

ووفقاً للقانون، لا يتم توفير هذه البيانات الوصفية للهيئات الحكومية إلا بعد حصولها على أمر صادر عن قاضٍ. رغم ذلك، يتعين على الشركة المزودة لخدمة الإنترنت جمع كل هذه البيانات الوصفية عنكم، تحسباً لما قد تحتاجه أو تطلبه الدولة لاحقاً.

تعتقد الحكومات عادةً أن جمع البيانات الوصفية سيحمي المعلومات الحساسة الخاصة بالمواطنين. ولكن عند تحليل الموضوع بعناية، يتبين أن تفاصيل حياتكم الخاصة ومعلوماتكم وبياناتكم الشخصية هي في متناول جهات رسمية نافذة، قادرة على معرفة أنواع مواقع الويب التي زرتموها (سيتم تسجيل كل زيارة) واهتماماتكم ومعتقداتكم السياسية والدينية وحالتكم الصحية وغير ذلك الكثير.

تخيلوا للحظة أن تقع كل هذه المعلومات في يد القراصنة والمتسللين بسبب ثغرة أمنية في أنظمة المراقبة. الدولة تراقب فعلاً، ولكن إن أخطأت، فماذا سيحدث حينها!

الدولة تراقب تصرفاتكم على الانترنت فاحذروا مما تفعلونه

هل يجب أن تشعروا بالقلق؟

يجادل الكثير من الناس بأنه ليس لديكم ما تخشونه إذا لم ترتكبوا أي خطأ، وهذا صحيح فعلاً. لكن في الوقت نفسه، فإن المراقبة الجماعية تتعارض مع أبسط المبادئ الديمقراطية، خاصة عندما لا يكون هناك طريقة لاختيار عدم المشاركة في المراقبة.

في سياق متصل، لا يمكن منع الدولة من مراقبتكم ولكن يمكن الحد من الموضوع. صحيح أن استخدام برامج مثل Tor و onion routing يقدم مستويات عالية من الخصوصية، لكنها في المقابل يمكن أن تكون بطيئة للغاية، فيما لن تعمل بعض المواقع والخدمات على الإطلاق. ومن المحتمل أيضاً أن يجذب استخدام Tor اهتماماً حكومياً أكثر وليس أقل.

بدلاً من ذلك، يمكن استخدام برامج VPN التي تقوم بتشفير حركة مرور الويب الخاصة بكم. لن تتمكن المراقبة الحكومية إلا من رؤية اتصالكم بخدمة VPN فيما ستبقى جميع البيانات الوصفية الأخرى محمية. وتجدر الإشارة إلى أن هذه البرامج تستهلك الكثير من سرعة الانترنت وقد يصبح العمل بطيئاً جداً.

لكن احذروا! فرغم ذلك، قد يعمد بعض مزودي خدمة VPN إلى تسجيل سجلات أنشطتكم بأنفسهم ليقوموا بعدها بتسليم هذه البيانات إلى الحكومة إذا طلبت منهم ذلك. وبالتالي، يجب التحقق دائماً من تفاصيل أي خدمة VPN سوف تقومون باستخدامها، ومما سيفعله المزود بالمعلومات التي سيجمعها عنك.