2013-06-15-16-33-52-1

هؤلاء الملاعين الصغار كانوا مسؤولين عن حجب الإنترنت في تونس

أصوات أجهزة التجسس التي كانت تستعمل في تونس بالكاد مسموعة، ولكنها رغم ذلك مخيفة، لا تستطيع منع نفسك من الشعور برهبة معيّنة وأنت تقف أمام المخدّم ذي المظهر المتواضع، الذي استخدم لسنوات عديدة في الحدّ من حريّات مستخدمي الإنترنت التونسيّين.
نحن في “الوكالة التونسية للإنترنت “(ATI)، المؤسسة شبه الحكومية، الموكلة بإدارة الجوانب التقنية لاستخدام الإنترنت في البلاد. بعد ثورة 14 كانون الثاني / يناير 2011، قامت “الوكالة التونسية للإنترنت”، وهي الآن تحت إدارة الناشط معز شقشوق، بتفكيك أجهزة المراقبة والاستعاضة عنها بسياسة الانفتاح وحرية الوصول إلى المعلومات.
يقع مركز “الوكالة التونسية للإنترنت” في فيلا جميلة في حيٍّ هادئ بتونس، وبالمناسبة، هذا المبنى ذاته كان سابقاً منزل الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي قبل توليه السلطة في العام 1987.
في هذه الفيلا، الغرفة التي كانت تستخدم للمراقبة والتجسس، تحولت الآن إلى ورشة عمل ومكان اجتماع لمجتمع المطورين التونسيين وأصدقائهم. تمت تسمية هذا المكان بـ “مختبر 404″، ويعود ذلك إلى رسالة الخطأ “خطأ 404” التي كانت تظهر لمستخدمي الإنترنت عندما يحاولون الوصول إلى أحد المواقع المحجوبة.
مساحة العمل هذه كانت نتيجة جهد مشترك لكل من “وكالة الإنترنت التونسية” ومجتمع المطورين التونسيين، وللتأكيد على الإحساس بمدى انفتاح هذه المنظمة الجديدة، تم تنصيب شبكة اتصالات لاسلكية مفتوحة، تتيح لأيّ كان إمكانية الوصول إلى الإنترنت، وهو شيء بعيد كل البعد عما كان موجوداً هنا من قبل.
في اليوم الذي كنت فيه هناك، التأمت مجموعة من أفضل الخبراء في أمن المعلومات والمبرمجين من تونس والعالم في القبو حيث توجد ورشة العمل، الذين شكّلوا تحولاً جذرياً بالمقارنة مع موظفي عصر بن علي المجهولين. لقد كانوا مجموعة متنوعة ورائعة من الأشخاص المتواجدون للمشاركة في ورشة #Hack4FREEDOM (الإختراق الرقمي من أجل الحرية)، التي نُظمت كجانب من مؤتمر “الحرية على الإنترنت” Freedom Online بنسخته الثالثة في تونس في الفترة الواقعة مابين 15 و18 حزيران / يونيو من هذا العام.
منظمو هذا الحدث، الذي تم بقيادة مدير التكنولوجيا في IILAB آرون هَسليج، قرروا إعادة إحياء أجهزة التجسس القديمة بشكل مؤقت، كنوع من إعادة أيام بن علي السيئة إلى الحياة، إلا أنهم حرصوا على إعداد المشهد ضمن شبكة مغلقة، معزولة تماماً عن شبكة الإنترنت الحقيقية. وذلك لم يكن سهلاً، فكتيّبات هذه الأجهزة لم تعد موجودة، ولكن بعد عدة أيام من محاولة ضبط الإعدادات في هذه الأجهزة، نجحوا بإعادة خلق حالة المراقبة في فترة حكم بن علي، حتى أنهم أعادوا تحميل قائمة المواقع المحجوبة التي تم تحميلها على الأجهزة في العام 2007.
بعد إتمام هذه العملية، جاء وقت النجاح بتحدي الاختراق، حيث قام المشاركون في هذا الحدث بتوفير كافة الأدوات الممكنة لتخطي أجهزة المراقبة هذه.
هذه الأجهزة تم صنعها من قبل شركة أميركية اسمها “Netapp” قامت ببيع جزء من أنظمة المراقبة خاصتها إلى الشركة ذات السمعة السيئة، التي تصنّع تجهيزات التجسس والمراقبة، “بلوكوت”، والتي يندرج على قائمة زبائنها التي تتعامل معهم وتزودهم بالتجهيزات، معظم الأنظمة الدكتاتورية (من سوريا وحتى بورما)، وعلى الرغم من أن هذه الأجهزة قديمة نوعاً ما وليست من ضمن آخر الإصدارات، إلا أن المهمة كانت شاقة.
وللمفاجأة، نجح المشتركون في تحطيم هذه الأجهزة خلال ست ساعات من المحاولة.
بالنسبة إلى هَسليج، كان السبب وراء تحدي #HACK4FREEDOM، هو “إتاحة الفرصة للمخترقين من تونس للعمل مع المخترقين العالميين لأجل الحرية، وأن يتمكنوا من رؤية هذه الأداة واستعمالها، ومن التواصل مع بعضهم البعض. لذا، (هذا الحدث) هو نقطة تجمع جهوداً عديدة، داخل تونس وخارجها”.
قليلة هي المحاولات الموضوعية لقياس المسافة التي يضعها بلد ما بعد الثورة بينه وبين ماضيه، إلا أن فتح قلب جهاز التجسس على الإنترنت أمام المدوّنين والناشطين أنفسهم، الذين كانت تخضع أنشطتهم للتتبع والرقابة، له قيمة معنوية وعملية هائلة.
وحرص هسليج أيضاً على إظهار القيمة السياسية للحدث: “لقد كان هذا الحدث واحداً من أهم الأحداث (في تونس) منذ فترة، من حيث قدرته المحتملة على التأثير في المجتمع. لقد أظهر استعداداً من قبل الوكالة التونسية للإنترنت، لم تملكها حتى الآن أي حكومة أخرى في المنطقة، وهي الكشف عن أوراقها”. بطريقة ما، تقوم الحكومة بتقييد يديها وحرق الجسور مع الماضي، حريصة على منع العودة إلى الأساليب القديمة، بالتزامن مع إنشاء تحالفات جديدة. ذلك ليس سهلاً دائماً، ويتطلب الأمر أكثر من مجرد النية الحسنة لكي تتفاهم الحكومة مع النشطاء، إلا أن الجهد يستحق الثناء.
لكنّ المعركة بعيدة عن نهايتها. لم يتقبّل الجميع بعد تغيّر النظرة إلى الرقابة على الإنترنت، فبعد ثلاثة أيام، في حفل مؤتمر “الحرية على الإنترنت” الختامي، قام وزير العدل التونسي نذير بن عمو، الذي إما لم يتم إبلاغه بموضوع المؤتمر أو اختار أن يتجاهله كلياً، بمشاركة الحضور درره النابعة من الحكمة الاستبدادية حول حرية التعبير: “على كل شخص أن يحد من حريته، حتى لا يضطر المشرّعون إلى التدخل بقوة”، أو، بعبارة أخرى، إلى إرساء الرقابة. عندها، نظر الحضور إلى بعضهم البعض غير مصدقين.
لم يتم ربح المعركة بعد.

المصدر: http://eldahshan.com/2013/06/27/hacking-in-ben-alis-basement/