نادرًا ما نعمل نحن المدافعون عن حقوق الإنسان وحدنا. عند قيامنا بوضع مقاربة شاملة للأمن، لا بد لنا من أن نعرف كيف تتعامل مجموعاتنا ومنظماتنا ومجتمعاتنا جماعيًا مع التهديدات. وكيف يتغير تفاعل المجموعة في ما بينها في وجه المخاطر. سيساعدنا ذلك على تحديد الجوانب الصعبة من التفاعلات ضمن المجموعة والإستراتيجيات اللازمة لتحسين التواصل في ما بيننا، من أجل بناء جسور التضامن والثقة، ووضع ممارسات أمنية أفضل.

ماذا يحصل للمجموعات عند تعرّضها لتهديدات؟

تمامًا كالأفراد، تتغيّر التفاعلات بين مختلف أعضاء المجموعة حين يتعرض أحدهم أو بعضهم أو جميعهم لتهديد ما أو تهميش أو عنف (بما في ذلك العنف الاقتصادي أو القائم على النوع الاجتماعي أو المؤسساتي أو الهيكلي). يعتمد مدى تغيّر طريقة تفاعل المجموعة في ما بينها بشكل كبير على المجموعة بذاتها. في ما يلي بعض ردود فعل المجموعات المتوقعة:

تقوقع المجموعة

تتقوقع المجموعة على بعضها البعض أكثر فأكثر مما يصعّب ترك الأعضاء لها أو انضمام أفراد جدد إليها. قد يؤدي هذا التقوقع أيضًا إلى الحد من قدرة الأعضاء على الوصول إلى المعلومات، وتقليص فرص قيامهم بمقارنة وجهات نظرهم للأحداث، بوجهات نظر أشخاص من مجموعات أخرى.

أنماط سلوكية ثابتة

أما التغيير المتوقع الثاني فهو ثبات الأنماط السلوكية أكثر فأكثر، مما يصعّب تغييرها. وبالتالي، يصبح من الصعب جدًا على الأعضاء التشكيك بالوضع الراهن. لا بد للمجموعات من أن تقوم بمراجعات ونقاشات دورية حول القيم المشتركة للمجموعة بشكلٍ صريح، من أجل أن تبقى المجموعة منصفة وغير إقصائية.

التسلّط والاستبداد

أما التغيير المتوقع الثالث فمرتبط بالقيادة، وبعلاقات القوة ضمن المجموعات. حين تشعر المجموعات بانعدام الأمان، يصبح الأعضاء قادرين على تحمّل نسبة أكبر من تسلط واستبداد قيادة المجموعة، أو أي أعضاء أقوياء آخرين في المجموعة. في حالات الطوارئ القصوى، قد يصبح الأعضاء الأقوياء في المجموعة أكثر تسلّطًا، وتزداد المجموعة تقوقعاً مما يمنع الضحايا من المغادرة.

عند العمل على الروابط بين صناعة القرارات والأمن، علينا ألّا نستخف بالآثار الإيجابية التي يمكن تحدثها آليات صنع القرارات الشفافة والعادلة. فخطر استهداف الخصوم لقيادة المجموعة سيكون أقلّ حدّة في حال تشارك المجموعة المسؤوليات والمعرفة.

قد لا تكونوا قادرين على تحديد بعض تلك السلوكيات في مجموعتكم – أو قد تتعامل مجموعتكم بطريقة مختلفة تمامًا. في جميع الأحوال، من المفيد أن تفكروا في أي تغييرات تطرأ على مجموعتكم حين تتعرض لتهديد ما، مع الأخذ بعين الاعتبار أن وجهات نظر الأفراد قد تختلف بشكلٍ كبير عن بعضها البعض. ومن المفيد أيضًا تحديد المشاكل المشتركة التي يمكنكم العمل على تحسينها. من شأن المحافظة على قنوات مفتوحة للنقاش والتواصل أن يحسن من فرص تفاديكم لتلك السلوكيات وغيرها من السلوكيات المضرّة. سنتحدث بالتفصيل عن إنشاء بيئة صحية للتواصل حول الأمن في الفصل التالي.

الارتياب والاختراقات[1]

للأسف، الاختراقات مشكلة شائعة بين مجموعات ومنظمات الناشطين. وقد تؤدي عوامل كالصدمات والإجهاد إلى ارتفاع منسوب الارتياب بين المدافعين عن حقوق الإنسان. في مجال عملنا، علينا أن نأخذ بعين الاعتبار احتمال أن يكون أو يصبح بعض أعضاء مجموعتنا أو مجتمعنا مخبرين. شيطنتهم غير مفيدة؛ ففي بيئة استبدادية، غالبًا ما يكونون ضحايا أيضًا. أفضل ما يمكننا فعله في هذه الحالات هو اعتماد إجراءات تحمي مجموعتنا بدل أن نساهم في زيادة منسوب الارتياب والتشكيك الذي قد يؤدي ملاحقة المشكك بأمرهم ما سيؤدي إلى آثار سلبية علينا وعلى قضيتنا. قد يكون من المفيد أيضًا، تنظيم جلسات نقاش جماعية مفتوحة والاتفاق على آلية شفافة لكيفية التعامل مع المعلومات الحساسة، بالإضافة إلى مراجعة قرارات حول سريّة وشفافية نشاطات المجموعة.

غالبًا ما يسعى المخترقون والمخبرون إلى توثيق أو حتى حث المجموعة على القيام بنشاطات غير قانونية. يمكننا تقليص مخاطر هذه التكيكات التي تؤثر علينا عبر الحرص أن تكون كل أنشطتنا خاضعة للمعايير والقوانين الدولية كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها من المعاهدات. يجب التعامل مع الأعضاء المحرضين على اعتماد أساليب غير قانونية أو عنيفة بحذر وإعادة النظر بعضويتهم.

في الفصل التالي، سنتعلم بعض الإستراتيجيات المفيدة التي تساعدنا على إنشاء وتخصيص مساحات مفيدة للتحدث عن الأمن ضمن المنظمات.

 


[1] استنادًا إلى روكوس سوسايتي: الثقافة الأمنية للناشطين. www.ruckus.org